Sabtu, 17 Mei 2008

مفهوم تربية الأولاد عند لقمان الحكيم

الباب الأول
المقدمة
‌أ. خلفيات البحث
إن من المُسلَّمات التى لا حيرة فى صحتها, أن التربية من الجوانب الأساسية للحياة البشرية بل أهمها. فلذا, تسابقت فى ميادينها المترافيةِ الأطراف أقلام الكتاب والباحثين والمتخصصين فى تحديد معانيها وأغراضها
[1], آملين فى أن يحصلوا على مُدْرَك التربية الناجعة لأبناء الأمة على حسب المراد.
والتربية فى هذا العصر – عصر التقدم والتنافس – يكون ألزمَ وأليقَ لنا بالإضافة إلى سابقينا, حيث أصبحت الحياة مغالبة وصراعا, يريد كل أمة أن يفوق غيرها فى ميادين العلم والاقتصاد والقوى المسلحة والسياسة. ولا يعلو شأن الأمة إلا بالتربية الحقة يؤخذ بها النشئ منذ صغرهم
[2]. قال إبن سينا ما نصه:
" العلـم أحسن من كل شـيئ * فخذوا من كل شـيئ أحـسنه".
إذا توغّلنا بحثا فى ذلك الكلام الموجز, لفهمنا كل الفهم, أن كل شيئ له أحسنه ثم الأحسن منه. وكذلك أدوار الحياة الإنسانية, لها أولاها ثم الأولى منها. فدور الطفولة والمراهقة فى علم دراسة طبائع الأطفال يُعدّ أحسنَها وأولاها, لأنها تؤثر كثيرا فى الحياة كلها.
وإذا رجعنا إلى تاريخ الأمم, وجدنا أن الغرض من التربية هو تأهيل الطفل للقيام بما تعتبره ضروريا فى تحقيق سعادتها الدنيوية. فأمة اليونان مثلا, يعتبر بعض علمائها بأن الحرب أهمّ مصلحة دنيوية, فانحصرت التربية عندهم فى تربية الجسم وتقويته. ويعتبر بعضهم أن التربية الذوقية وغرس حب الجمال أهمّها, فكانت تربية الطفل عندهم محصورة فى تعليم الفنون الجميلة من الشعر والموسيقى والرسم والتصوير ونحوه
[3].
وأما المعاصرون, قد ينحون فى تربية أطفالهم ما ُيركِّز كثيرا على الاهتمام بالأمور المادّية التى بها تتحسن حالهم و يرغد عيشهم فيما بعد, من غير أن يراعوا ولو بقليل إلى حياتهم الروحية, مع أنها جانب من الجوانب الأساسية. فالإسلام – دينا وشريعةً – يدعو إلى التوازن بين التربية العقلية والجسمية والروحية, لأنها ملاك الذات الإنسانية التى لا يجوز أن يبخس أيّ منها أنواعا أخرى
[4], فيصبح الطفل رجـلا يؤمن بخالقه ويعرف منزلته فى الكـون, ووظيفته فى تعمير الحيـاة وفقَ منـهاج الله[5].
أضف إلى ذلك, أن التربية الروحية من أهمية بالغة فى تحديد عقيدة النشئ وأخلاقه, فيجب الاهتمام بها والتركيز عليها منذ الطفولة المبكرة, ليستطيع بها الطفل فى كبره مواجهة تحدّيات عصره, وتيارات التشكيك ضدَّ دينه وعقيدته بعقيدة ثابتة لا تتاثر بتلك المحاولات
[6].
والعالَم الإسلامى منذ فجره فى بداية الأمر إلى عصرنا هذا لا يخلو من مفاهيم التربية الروحية, لكونها شعارا من شعائر التعاليم الإسلامية الأولى. ولكن الكل قد يتوقّف على مجرد النظرية والفهم فحسب. فلما رأى الباحث أن مفهوم تربية لقمان الحكيم الذى يُجريها لابنه يجمع بين النظرية والتطبيق, فانتقاه الباحث عنوانا لهذا البحث العلمى.
وبناء على المنطلق الفكرى السابق, يود الباحث هنا أن يُقدّم مفهومه التربوى بحثا لهذه الرسالة العلمية؛ فلعلها تجدى بفائدة كبيرة.
ب. المشكلات
1. تحديد المشكلات
كما هو معلوم بالضرورة, أن لقمان من أهل العلم والحكمة, فكان معظم حياته من الأقوال والأفعال تكون مثالية لنا واسعةَ النطاق. فلذا, يودّ الباحث أن يُحدّد بحثه مقتصرا على ما يمتدّ فى سورة لقمان ما بين الآية الثانية عشرة إلى التاسعة عشرة. وذلك ليكون البحث متركّزا مبنيا على أساس الصحة.
2. تقرير المشكلات
و الجدير بالتقديم هنا – ما يكون محورَ البحث – يعنى مواعظ لقمان الحكيم لابنه المكتمنة فى سورة لقمان, حيث توجد فيها قِيَمُ التربيةِ الروحية الأساسية, ما لوتدبّرها وعضّها الإنسان بنواجده جواهرَها لاهتدى إلى سواء السبيل. فلذا, يودّ الباحث أن يُقرّرها عن طريق الأسئلة الأتية, لتكون على وضوح وبيان. وهى كما يلى:
1. ما هى النقط المهمة من مواعظ لقمان الحكيم لابنه؟
2. ما أهمية هذه النقط بالنسبة إلى التعاليم الإسلامية ؟
3. هل تعتبر مواعظ لقمان الحكيم من أحسن التربية الروحية الصالحة تطبيقها لأجيال هذا العصر؟
ج. أهداف البحث
1. الأهداف العامة
يهدف الباحث من خلال هذا البحث إلى الكشف عن النقط المهمة فى التربية الروحية عند لقمان الحكيم الملحوظة فى سورة لقمان.
2. الأهداف الخاصة
أما الأهداف الخاصة التى يريد أن يَتعَرّفَ بها الباحث هى:
1. النقط المهمة من مواعظ لقمان الحكيم نحو ابنه
2. أهمية مواعظ لقمان الحكيم بالنسبة إلى التعاليم الإسلامية
3. مدى صلاحية تربية لقمان الحكيم لأجيال هذا العصر
د. طريقة البحث
يسير الباحث للحصول على المعلومات أوالبيانات لهذا البحث باستخدام طريقة البحث المكتبى, وهى أن يقرأ الباحث المصادر المتعلقة بموضوع البحث ثم يعالجها ويحلّلها.
هـ مصادر البحث
تنقسم مصادر البحث إلى قسمين:
1. المصادر الأساسية, وهى تشمل على بعض كتب التفسير, مثل التفسير المنير فى العقيدة والشريعة والمنهاج والتفسير الميزان وبعض كتب التربية الإسلامية, مثل تربية الأولاد فى الإسلام و التربية والتعليم وبناء الأسرة المسلمة.
2. أما المصادر الثانوية فتشمل على عدة مؤلفات قديمة كانت أوجديدة, منها طريقة التربية الإسلامية والتربية الإسلامية وفلاسفها وتعليم الدين الإسلامى وغير ذلك.
و. طريقة الكتابة والتنظيم
أما طريقة الكتابة التى يستخدمها الباحث فى كتابة هذا البحث, فتعتمد على الكتاب الذى قررته الجامعة. وأخيرا, لتسهيل هذا البحث فقسّم الباحث كتابة هذه الرسالة إلى خمسة أبواب يرتبط بعضها بعضا على الترتيب.
الباب الأول : مقدمة
يحتوى هذا البحث على خلفيات البحث وتحديدها وتقريرها وأهداف البحث وطريقة البحث وطريقة الكتابة وتنظيمها.
الباب الثانى: نبذة عن حياة لقمان الحكيم
يحتوى هذا البحث على سبب إضافة اسمه بالحكيم وذكر اسم ابنه والخلاف فى كونه نبيا أو غير نبى وسبب تدفق الحكم فى أقواله وبعض أقواله الشهيرة
الباب الثالث: أهمية التربية الإسلامية
يحتوى هذا البحث على معنى التربية وتعاريفها و الفرق بين التربية والتعليم والتأديب والنظرات فى التربية عند الأمم القديمة وأغراض التربية عند المعاصرين وخصائص التربية الإسلامية ومنهجها وأغراضها ووسائلها
الباب الرابع : مدار تربية لقمان الحكيم
يحتوى هذا البحث على الصور التربية الإلهية وشمول التربية الإلهية وهى: العقيدة الإسلامية و بر الوالدين وتعليم الصلاة والحث على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغرس الأدب والسلوك
الباب الخامس : الخاتمة
وهذا البحث يحتوى على الخلاصة والاقتراحات ثم مراجع الرسالة

الباب الثانى
نبذة عن حياة لقمان الحكيم
أ. نسبه ولقبه وابنه
كان لقمان من قديم الناس القليلِ الذكر سيرةً , إذ أنه يعيش فى زمان غير زماننا, حلّته فترات طويلة. فلولا القرآن يذكره فى بعض آياته – من المحتمل - لما يعرف المسلمون اسمه بتة.
أفاد البيضاوى أن اسمه الكامل هو لقمان بن باعورا من أولاد آزر, ابن أخت أيوب أو ابن خالته من سودان من النوبة
[7]. ولكن هذه السلسلة ليست وحيدة, لوجود آراء أخرى, بأنه رجل أسود اللون من شمال مصر[8]. وعلى حسب الروايات الواردة عرف العربُ لقمانين. فالأول لقمان بن عاد, رجل عظيم الهيبة, جليل القدر, ذو كلام فصيح. والثانى لقمان الشهير المُلقّب بالحكيم[9]. وهذا سبب التسرب والتعقيد فى الرواية. ولكن الكل يتّفق على أن لقمان الحكيم هو المقصود, الذى ذكره القرآن الكريم, دون الأول. وفى رواية أخرى أدرك لقمان داود عليه السلام فأخذ منه العلم.[10] و ما أوتى لقمان الحكمة بحسبٍ ولا مال ولا بسط فى الجسم ولا جمال, إلا أنه رجل قوي فى أمر الله متورع ساكت مستكين عميق النظر طويل الفكر حديد النظر وغير ذلك من الصفات المحمودة[11].
ونظرا مما سبق ذكره فى الفقرة السابقة أوكما قاله البيضاوى, تبين أن اسم لقمان فى أصل الوضع لا يُضاف – لا يوصف – بالحكيم. وإنما أضيف اسمه بذلك تشريفا له من غيره أو من قومه أو ممن بعده لتدفّق كلامه بالحكمة التى تدل على كمال عقله وفهمه. إذِ الحْكمة عند أبى الحسن موسى بن جعفر هى العقل والفهم.
[12] .والحكمة فى عرف العلماء هى استكمال النفس الإنسانية باقتباس العلوم النظرية واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة.[13]
أما اسم ابنه الوارد فى القرآن فهو ثاران كما قاله السهيلى والطبرى والقتبى,
[14] أو باثار كما قاله أبو عبد الله[15].
ب. الخلاف بين كونه نبيا أو غير نبى
لم يرد اسم لقمان فى كلامه تعالى إلا فى سورة لقمان التى سيأتى بيانها فى الباب الرابع. ومع قلة الرواية عنه تعددت طرقها, حتى يزعم بعض الناس أنه نبى من أنبياء الله تعالى. ولكن الجمهور يتفقون على أنه ليس بنبىٍ, بل عبد من عباد الله تعالى الصالح الحكيم. كما جاء فى المجمع ما رواه النافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حقا أقول لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه ومنّ عليه بالحكمة
[16].
ج. سبب تدفّق الحكم من أقواله
كان لقمان فى بداية الأمر رجلا من الرجال, لايظهر منه آمارات الذكاء وكمال النفس. وقد تغير ذلك بعد نيامه يوما, إذ جاءه نداء: يا لقمان هل لك أن يجعلك خليفة فى الأرض تحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوتَ, إن خيّرنى ربى قبلت العافية, ولم أقبل البلاء, وإن عزم علىّ فسمعا وطاعة. فإنى أعلم أنه إن فعل بى أعاننى وعصمنى. فقالت الملائكة بصوت لايراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحكم أشد المنازل وآكدها, يغشا الظلم من كل مكان. إن وفى فبالحري أن ينجو وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة. ومن يكن فى الدنيا ذليلا وفى الأخرة شريفا خير من أن يكون فى الدنيا شريفا وفى الأخرة ذليلا. ومن تخير الدنيا على الأخرة تفته الدنيا ولا يصيب الأخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه, فنام نومه فأعطى الحكمة فانتبه يتكلم بها. ثم كان يؤازر داود بحكمته فقال له: طوبى لك يا لقمان اعطيت الحكمة وصرفت عنك البلوى
[17].
د. بعض أقواله الشهيرة
إننا لم نكن على وعى بالأمثال السائرة أو المقتطفات الجارية حوالينا, بالنسبة إلى قائلها فى المرة الأولى. وهاهى ذه, الجارية حوالينا من بعض أقوال لقمان الحكيم الشهيرة:
1. الصمت حكمة وقليل فاعله. وقيل له: أى الناس شر؟ قال: الذى لا يبالى إن رآه الناس مسيئا
[18].
2. يا بنى: إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير. فاجعل سفينتك فيها الإيمان واجعل شراعها التوكل, واجعل زادك فيها تقوى الله فإن نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك
[19].
3. يا بنى: صاجب مائة ولا تعاد واحدا, يا بنى إنما هو خلاقك وخلقك فخلاقك دينك وخلقك بينك وبين الناس فلا تبغضن إليهم وتعلم محاسن الأخلاق
[20].
والأخبار فى مواعظه كثيرة جدا. فاكتفى الباحث منها بذكر بعضها من الكتاب "الميزان فى التفسير" للطباطبائى والكتاب "التفسير المنير فى العقيدة والشريعة والمنهج" للوهبة الزحيلى إيثارا للاختصار وخشيةً من التطويل.

الباب الثالث
أهمية التربية الإسلامية
أ. معنى التربية وتعاريفها
التربية كلمة على صيغة المصدر, وهي مشتقّة من ربّى يربّى تربية. يقال: ربىّ الوالد ولده, إذا غدّاه وجعله يربو أى نشأ
[21]. وأما التربية فى اصطلاح علماء التربية فكثيرة الوجوه. وذلك لوسعة نطاقها وأطرافها المترافية. ولكنها على سبيل العموم يعنى كل مؤثّر فى تكوين الشخصى الجسمانى والعقلى والخلقى من حين ولادته إلى موته[22]. وهى تشمل جميع المؤثّرات, لأن الحياة تربية والتربية هى الحياة نفسها.[23]
وتوضيحا لهذا الحد, فهاهى ذه تعاريف التربية عند مفكرى التربية وعلمائها على حسب نزعاتهم وميولهم ووجهة نظرهم وفهمهم لحقيقة الحياة:
1. قال أفلاطون: "التربية هى إمداد كل من الجسم والعقل بما يمكن من الكمال والجمال".
2. وقال أرسطو: "التربية هى إعداد العقل للتعليم كما تعدّ الأرض للبذر".
3. وقال هربر سبنسر: "التربية هى تهيئ الشخص لأن يتمتع بعيشه راضية".
4. وقال روسو: "التربية التزويد بما لم يكن عندنا وقت الطفولة ولكننا فى حاجة إليه فى الكبر".
5. وقال جون استورت مل: "التربية تشمل على كل ما يفعله المرء لنفسه. أو يفعله غيره له لغرض تقرّبه من درجة الكمال"
[24].
ذلك كله, من تعاريف التربية عند بعض الفلاسفة المتباينة الأزمنة. ولكن مع ذلك لم يحدّدوا معنى التربية واضحة التحديد حتى لا تزال غامضة مبهمة تقتضى إلى التفسير والبيان. وذلك لسبب من الأسباب, منها لكثرة عوامل التربية. وقصارى الكلام, التربية هى جميع المؤثرات الخاصة والعامة التى تؤثر الإنسان منذ ولادته إلى موته بأية وسيلة من الوسائل حسنة كانت أم سيئة.
ب. الفرق بين التربية والتعليم
ومع التربية التى لم تتجلّ واضحةً حتى لا يتفق رأى واحد برأى أخر, فيحسن هنا أن يُستعرض بعض الظواهر عن التربية والتعليم, أملا فى أن يستزيد الفهم والبيان.
قد يكون الأهل فى هذا المجال, لا يفرّق كيثرا عن معنى التربية والتعليم, غير أنهم يُدخلون معنى التعليم مندرجا تحت التربية, وذلك بزعمهم أن التربية تشمل على العوامل الكثيرة المختلفة والتعليم عامل من عواملها الخاصة. وقيل أن التعليم هو مجرد إيصال المعلومات إلى ذهن التلاميذ وعقولهم بمسائل الفنون والعلوم. مع أن التربية لا تتوقّف على ذلك فحسب, بل تشمل على الأمور الآتية:
1. إنماء الجسم وتعهّده بما يحتاج إليه من الغداء الصالح والهواء النقى والتمرين البدنى ووقاية شر الأمراض التى تضعفه وتعوق نموه.
2. إنماء المدارك وإرهاف القوى العقلية سواء فى ذلك الحواس الخمس والقوى الفكرية.
3. تهذيب الأخلاق وتكوين العادة الحسنة مثل الطاعة والصدق فى القول والعمل والأمانة والنظافة والنظام فى الأعمال واحترام الغير ونحوها. وإيجاد الشعور الصادق وغرس العواطف الأدبية
[25].
وكل ذلك لا عن طريق النصيحة القولية والموعظة الحسنة فحسب, بل يحتاج إلى جميع الوسائل الناجعة فى سبيلها, مثل القدوة الصالحة ودوام المراقبة والاهتمام البالغ وغير ذلك.
ج. نظرات فى التربية عند الأمم القدماء
إذا ما كنا نرجع قليلا, ننظر إلى ما ذهب به رجال التربية من الأمم الغابرة, لوجدنا أن أغراضهم تميل كثيرا إلى تأهيل الأطفال للقيام بما يعتبروه حيوية لمستقبلهم, حتى ترغد معيشتهم. أما فى مصطلح محمد قطب, أن أغراض التربية الأرضية – ما عدا التربية الإسلامية – هو إعداد المواطن الصالح.
وتختلف الأمم بعد ذلك فى تصوّر هذا المواطن وتحديد صفاته. فها هى ذه الأغراض المختلفة عند بعض الأمم عن بعضهم لمحةً على سبيل المثال:
1. يونان
كانت أغراض بعض علماء يونان تتركز على التربية الجسمية وتقويتها,
[26] فتُربّون أطفالهم تربية عسكرية, حتى يكونوا بها جنودا أقوياء شاكسين السلاح مستعدّين للحرب, متأهبين فى كل لحظة للوثوب سواء للعدوان أو لردّه. ولكن بعضهم يعتبرون بأن التربية الذوقية وغرس حب الجمال من أهمّ المجالات فيها, فتحصرون تربية أطفالهم بالفنون الجميلة والشعر والموسيقى والرسم والتصوير وغير ذلك[27].
2. رومان
عُنىَ علماء رومان فى تربية أطفالهم بما يشابه يونان فى تربية مواطينها؛ وهو إعداد الطفل متحليا بالفنون الحربية من الخطط والاستيراتيجيا والسياسة والقوانين
[28].
3. ألمانيا
كانت ألمانيا فى عصر النازية, فقد قام بشيئ عنيف فى تربية أطفالهم. حيث يتدرب الشباب على الرياضة البدنية تدريبا شديدا, لا لخلق تقوية أجسامهم فحسب, ولكن لتعويدهم على طاعة الأوامر, والفناء فى شخصية الدولة, وأخيرا إلى هتلر القائد المتحكم صاحب السلطان
[29].
4. رهبان الهنود
إذا كانت أغراض الأمم السابقة تتركز على العمران المادى وسعادتها فردية أم جماعية, فأغراض هذه الفرقة تتركز على التربية الروحية فحسب, إذ أن أغراضم انتاجُ الناسكين المتعبدين الذين يهجرون الحياة المادية إلى ما هو أبقى وأخلد, حتى لا يصادفهم صراع الأرض.
وهذا, بعض مفاهيم التربية عند الأمم السابقة ما تشترك كلها فى شيئ واحد وهو إعداد المواطن.
د. أغراض التربية عند المعاصرين
التربية كوسيلة من وسائل الناس إلى درجة الرقى والتقدم, تغيرت – ولا تزال متغيّرةً – مناهجُها وأغراضها من عصر إلى عصر, ومن جيل إلى جيل. فكيف صورة التربية الآن من حيث الأغراض؟
إذا ما سُئل الآباء عن أغراضهم من إرسال أبنائهم الآن إلى المدارس المختلقة, لكان جوابهم يختلف بعضها عن بعض. فمنهم من يجيب ليعرفوا ما به يستطيعون كسب عيشهم وتحسين حالهم, أو بعبارة أخرى ليستردوا فى المستقبل أكثر مما أنفقوا فى الماضى. فشبهت التربية هنا مثل التجارة
[30]. ومنهم من يجيب لتلقى العلوم والمعارف ما كان الناس عليه قديما وحالهم عليه الآن[31]. ومنهم من يجمع لجواب الأول والثانى ويُضيف منها شيئا آخر وهو الأخلاق؛ إذ الأخلاق فى اعتبارهم تكملة, ولا تكمل التربية إلا بها.
و أغراض التربية عند المعاصرين تختلف بعضها عن الآخر, على حسب ما يفهمونه من تحديد معنى التربية. فللقائلين بأن التربية هى التدريب لبناء المعرفة والمهارة والطبيعة, فتتركز تربيتهم على ذلك
[32]. ومن المحتمل, نستطيع أن نقول بأن أغراض التربية عند المعاصرين الآن على مختلف الدول, لا تخلو من العناصر الثلاثة التى لا بد أن ينالها كل طالب؛ وهى القيمة(velue) والمعرفة (knowledge) والمهارة(skill)[33].



و. خصائص التربية الإسلامية ومناهجها وأغراضها ووسائلها
إذاما تكلم أحد عن خصائص الشيئ, فسو ف يتكلم – طبعا – عن مزاياه التى يمتاز بها على الأخر. فبما تمتاز التربية الإسلامية على غيرها؟
تمتاز التربية الإسلامية على غيرها بطريقتها المتفوقة ومناهجها العليا. لأن طريقة الإسلام فى التربية هى معالجة الكائن البشرى كله معالجةً شاملةً لا تترك منه شيئا ولا تغفل عن شيئ, جسمه وعقله وروحه, حياته المادية والمعنوية وكل نشاطه على الأرض. إنه يأخذ الكائن البشرى كله من غير أن يتركه ولو شيئا, ويأخذه على ماهو عليه, بفطرته التى جُبل الناس عليها
[34]. فتبرز من هذه الخصائص وعلى ضوء هذا المنهج سمات الإنسان الصالح.
أما المنهج الإسلامى, فينقسم إلى أربعة أقسام, وهى كما يأتى:
1. منهج العبادة
هذا المنهج, بالإضافة إلى غيره يقع موقعه الأول, وذلك لوسعة نطاقها. إذ العبادة هنا ليست قاصرة على على مناسك التعبد المعروفة من صلاة وصيام وزكاة وحج وما عدا ذلك. وإنما تشمل على كل شيئ يحبه الله ويرضاه. وهنا, يكون معنى العبادة عميقة جدا. أو كما قاله محمد قطب: "إنها العبودية لله وحده, والتلقى من الله وحده فى أمر الدنيا والآخرة كله...ثم هى الصلة الدائمة بالله فى هذا كله".
[35]
فالصلاة والصيام والزكاة وسائر الشعائر التعبدية, إن هى إلا مفاتيح للعبادة, أو محطة يقف عندها السائرون فى الطريق يتزودون بالزاد. ولكن الطريق كله عبادة وكل ما يقع فيه من نسك أو عمل, أو فكر أو شعور كذلك عبادة. مادامت الوجهة إلى الله
[36].
2. منهج التربية الروحية
قبل كل شيئ, يعرض هنا الباحث عن معنى الروح. ما هى الروح؟ الروح هى شيئ مبهم عامض لا حد لتحديدها. وهذا السبب الأول الذى أغرى الماديين فى العصور الحديثة أن يهملوها إهمالا ويسقطوها من الحساب
[37]. لأن فى منطلق فكرهم, أن كل ما لا تراه الحواس فغير موجود. والروح لا ترى بالحواس, فهى إذن ليس له وجود.
ولكن الإسلام يحرصها كل الحرص, حيث يضعها فى المقام الأول. لأنها – فى حقيقة الأمر – هى التى تنشئ الواقع المادى وتشكل ظروفه. هى التى تهدم وتبنى وتثبت وتمحو, بل هى الجوهر الحق
[38]. وقصارى الكلام, إن تربية الروح هى القاعدة التى يقيم عليه الإسلامُ بنائَها.
وطريقة الإسلام فى التربية الروحية هى أن يعقد صلة دائمة بينها وبين الله فى كل لحظة وكل عمل وكل فكر وكل شعور
[39]. فهذه طريقة مثالية فى تربية الإسلام, طريقة عميقة محيطة شاملة للجوانب الإنسانية كلها.
2. منهج التربية العقلية
كما علمنا بالضرورة, أن الكائن الإنسانى وحدة مترابطة متكاملة ممتزجة الأجزاء, أى جزء لا يتجزأ. لا ينفصل منه جسم عن عقل وعن روح. والإسلام يهتم كثيرا فى العقل, بل يعدّها من أكبر طاقاته وأكبر نعمه التى يمتاز بها الإنسان عن غيره.
والإسلام – دينا وشريعة – يبدأ التربية العقلية بتحديد المجال النظرى, فيصون الطاقة أن تتبدد وراء الغيبيات التى لا سبيل للعقل البشرى أن يحكم فيها. ثم بعد ذلك يأخذ فى تدريب الطاقة العقلية على طريق الاستدلال المثمر والتعرف على الحقيقة. فيتخذ إلى ذلك وسيلتين. الوسيلة الأولى هى وضع المنهج الصحيح للنظر العقلى
[40]. والوسيلة الثانية هى تدبّر نواميس الكون وتأمل ما فيها من دقة وارتباط[41].
وأما التحديد من التربية العقلية فهى ترقية العقل وتدريبه تدريبا منظما على التفكير الصحيح, حتى يستطيع أن يحسن إدراك مايحيط به المؤثرات المتنوعة والظواهر الكثيرة إدراكا صحيحا ويكون حكمه عليها سديدا
[42].
3. منهج التربية الجسمية
والمقصود فى مجال هذه التربية ليس ما يتعلق بالعضلات أو الحواس ووشاجه فحسب. وإنما المقصود هنا كذلك الطاقة الضرورية المنبثقة من الجسم, والمتمثلة فى مشاعر النفس.
فالإسلام فى التربية الجسمية والطاقة الحيوية يراعى الأمرين معا. يراعى الجسم من حيث هو جسم ثم يوفّر الطاقة الحيوية اللازمة لتحقيق أهداف الحياة, وهى أهداف تشمل كل كيان فى الإنسان
[43]. وذلك كله نجده كثيرا ملحوظا من أحايث رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثل قوله صلى الله عليه وسلم: علموا أولا دكم السباحة والرماح. والمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
وأما التربية الجسمية - فى حقيقة الأمر – فهى العمل على تنمية الجسم نموا طبيعيا وتقويته وصياناته حتى يستطيع أن ينهض بالأعمال المتنوعة والتكاليف الكثيرة التى تفرضها عليه حياتها الشخصية والاجتماعية وليقاوم الأمراض الكثيرة التى تهدده
[44].
وهكذا كل مايصدر عن الفطرة, وعلى ضوء هذ المنهج الإسلامى, سوف ينشأ مجتمع متوازن وإنسان متوازن, توازنت طاقاته, وعملت روحه وعقله وجسمه. وبالجملة, أن منهج التربية الإسلامية منهج متميز متفرد فى وسائله وفى أهدافه بشكل ظاهر يلفت النظر, ويدعو إلى التفكر فى مصدر هذه العقيدة التى تفردت على مدار التاريخ
[45].
وأما أغراضها اختصارا, تكوين الإنسان الذى يؤمن بخالقه ويعرف منزلته فى الكون ويعرف كيف يتعامل معها بطريقة تفيد الحياة والأحياء, حتى يسعد فى الدارين.
وأما الوسائل المؤثرة التى اعترفها الإسلام للتربية فكثيرة, منها:
1. التربية بالقدوة
القدوة فى التربية من أنجع الوسائل المؤثّرة فى إعداد الولد خلقيا, وتكوينه نفسيا واجتماعيا. وذلك لأن المربى أو الأستاذ هو المثل الأعلى فى نظره. فالأسوة الصالحة سوف يقلدها سلوكيا ويحاكيها خلقيا من حيث يشعر أو لا يشعر. بل تنطبع فى نفسه وإحساسه صورته القولية والفعلية والحسية والمعنوية
[46].
ومن هنا كانت القدوة عاملا كبيرا فى صلاح الولد وفساده. فإن كان المربى صادقا أمينا كريما عفيفا, نشأ الولد على الصدق والأمانة والخلق والكرم والشجاعة والعفة. وإن كان المربى كاذبا خائنا بخيلا جبانا, نشأ الولد على الكذب والخيانة والجبن والبخبل
[47].
ولقد علم الله أن الرسول ينبغى أن يتصف بأعلى الكمالات النفسية والخلقية والعقلية, حتى يأخذ الناس عنه, ويقتدوا به, ويتعلموا منه, ويستجيبو إليه. لذلك بعث الله محمدا ليكون للمسلمين على مر الأيام والدهور قدوة صالحة
[48]. لأن القدوة هى أفعال الوسائل جميعا وأقربها إلى النجاح[49]. كما قاله تعالى فى محكم تنزيله: (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة)[50]. وقال أيضا: (يأيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا)[51].
2. التربية بالعادة
وكذالك, كما علمنا بالضرورة, أن الولد مفطور منذ خلقته على التوحيد الخالص والدين القيم والإيمان بالله
[52]. كما قاله النبى صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة. أى يولد على فطرة دين الله سبحانه وتعالى. ومن هنا يأتى دور التعويد والتلقين والتأديب حيويا فى نشأة الطفل وترعرُعِه على التوحيد الخالص والمكارم الخلقية والفضائل النفسية.
والحجة على ذلك, مما يدل على أهمية التعويد والتلقين والتأديب فى التربية, يعنى لوكان للولد عامل من العوامل التربية الإسلامية الفاضلة, فينشأ على الإيمان والأخلاق الكريمة. ولكن ما يُعاكسه, يعنى لو كان له عامل من العوامل التربية الخبيثة, لينشأ على كفر والأخلاق المذمومة. فلذلك, كان النبى صلى الله عليه وسلم يحثّ على الآباء بتعويد الصغار بالصلاة فى السبع, لتتأثر فى نفوسهم فى المستقبل, إذا بلغوا سن الرشد.
3. التربية بالموعظة
وكذلك من أهم الوسائل التربية الناجعة المؤثّرة فى تكوين الولد إيمانا, وإعداده خلقيا ونفسا واجتماعيا وهو التربية بالموعظة, لما لها أثر كبير فى تبصير الولد حقائق الأشياء ودفعه إلى معالى الأمور, وتحليته بمكارم الأخلاق وغيرذلك
[53]. والموعظة المؤثرة تفتح طريقها إلى النفس مباشرة عن طريق الوجدان[54].
والتوجيهات القرآنية لما لها من التربية الفاضلة, كان معظمها باستخدام هذه الوسيلة أى عن طريقها. وكذلك ما يكون محور البحث هنا, من تربية لقمان الحكيم لابنه, عن طريق هذه الوسيلة.
ووسائل التربية غير هذه الوسائل السابقة ذكرها لا تزال كثيرة, ولكن اكتفى الباحث بذكر هذه الوسائل, بحسبٍ على أنها من أنجعها وأفعلها.
الباب الرابع
مدار تربية لقمان الحكيم لابنه
أ. صور التربية الإلهية
كان لقمان الحكيم أبا من الآباء الذين يهتمون تجاهَ من لهم فى أعناقهم حق التعليم والتوجيه والتربية, فعُنى بولده اعتناء كبيرا. وهذا الاعتناء البالغ حفظه القرآن الكريم فى بعض آياته فى سورة لقمان, تكون توجيهة وتربية روحية ناجعة لكل عصر من العصور ولكل جيل من الأجيال, لما لها من القيم والمبادئ الإسلامية الضرورية لكل ولد من الأولاد. وتلك التوجيهات والتربية تمتد ما بين الآية الثانية عشرة إلى التاسعة عشرة. وهى كما يلى قوله سبحانه وتعالى:
12.(ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه, ومن كفر فإن الله غنى حميد).
13.(وإذقال لقمان لابنه وهو يعظه يبنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم).
14.(ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين أن اشكر لى ولوالديك وإلى المصير).
15.(وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما, وصاحبهما فى الدنيا معروفا, واتبع سبيل من أناب إلى ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون).
16.(يابنى إنك مثقال حبة من خردل فتكن فى صخرة أو فى السموات أو فى الأرض يأت بها الله, إنا لله لطيف خبير).
17.(يبنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك, إن ذلك من عزم الأمور).
18.(ولا تصعر خدك للناس ولا تمش فى الأض مرحا, إن الله لا يحب كل مختال فخور).
19.(واقصد فى مشيك واغضض من صوتك, إن أنكر الأصوات لصوت الحمير).


ب. شمول التربية الإلهية
وأما القيم أوالمبادئ الإسلامية التى تضمنها هذه الآيات الكريمة كالتربية لابنه, وهى كما يلى:
أ. العقيدة الإسلامية
بعد أن أمر الله سبحانه وتعالى لقمان بالشكر على ما أعطاه من الحكمة ونعمه الكثيرة فى الأية الثانية عشرة, بدأ لقمان الحكيم فيما بعده فى الآية الثالثة عشرة يقول لابنه – عن طريق الموعظة – أن يجتنب الشرك
[55]. إذ أنه أكبر الكبائر التى تبطل الإيمان. ومن أشرك فقد كفر, ومن كفر فقد خرج عن توحيد الله سبحانه وتعالى. ومن خرج عن توحيد الله وجبت له النار. حيث قال مؤكدا لابنه (إن الشرك لظلم عظيم).
ولما نهى لقمان عن الشرك الذى هو أشد الضرر, فطبعا – من المفهوم المخالف – أمر ابنه بلزوم التوحيد
[56] ومحافظته طول حياته. لأنه أول دعائم الإسلام. فهذا, جوهر التربية الإسلامية الذى علمه لقمان الحكيم لابنه.[57]
ب. بر الوالدين
وفى الأية (ووصينا الإنسان... إلى آخرها), أمر ربانى يوجب الإنسان أن يبر إلى والديه ويكرمهما, إذ أنهما سبب الوجود فى الدنيا, فاستحقا من ذلك نهاية الإكرام. بل وإن ألحا على الشرك ما ليس له بهما العلم, يلزم على الولد أن يصاحبهما بالمعروف, وأن يعاشرهما متعارفة غير منكرة من رعاية حالهما بالرفق واللين. ولكن هذه المصاحبة تكون على الأمور الدنياوية فحسب, لا على أمور الدين الذى هو سبيل الله
[58].
و وقع الاعتراض فى تلك الآية, بين أنها من كلام لقمان أو مجرد آية من الآيات
[59]. فأصحهما عند الباحث تتعلق ببعض الروايات والجهات النظرية؛ أى من أى جهة ينظرها المرئ. وأما سبب تضمين الباحث هذه النقطةَ من كلام لقمان, لكونها متوسطة بين الآيات التى هى من كلامه تجاه ابنه.
ج. الصلاة
وفى الآية السابعة عشرة علّم لقمان لابنه جوهرة التربية الإسلامية الثانية, وهى الصلاة
[60]. إذ أنها تقع الموقع الأعلى على سائر العبادات. ولها فى الإسلام منزلة لا تعادلها أية عبادة أخرى, فهى عماد الدين الذى لا يقوم إلا به.[61]حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأس الأمر الإسلام, وعموده الصلاة, وذروة سنامه الجهاد فى سبيل الله. (الترمذى).
وهى أول ما أوجبه الله سبحانه وتعالى من العبادات, تولى إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج من غير الوسيلة. قال أنس: فرضت الصلاة على النبى ليلة أسرى به خمسين, ثم نقصت, حتى جعلت خمسا, ثم نودى: يامحمد, إنه لا يبدل القول لدى, وإن لك بهذه الخمس خمسين. (رواه أحمد)
[62]
أضف إلى ذلك, أن الصلاة صلة بين العبد والرب, يناجى الله ويناجيه الله. كما جاء فى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم أن الله جل وعلا قال: قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين, ولعبدى ما سأل
[63]... وهى تمثل المعراج الروحى للمؤمن حيث تعرج به روحه كلما قام مصليّا, منتقلة به من عالم المادّة إلى عالم السموّ والصفاء, والطهر والنقاء. وهى الفاصل بين الكفر والإيمان, وتنزل منزلة الرأس من الجسد. فكأنما لا حياة لمن لا رأس له, فلا دين لمن لا صلاة له.[64]
ومن ذلك كله, تتجلّت أهمية الصلاة ومكانها فى الشريعة الإسلامية. فلا حيرة إذا كان لقمان الحكيم يجعلها من أساس توجيهاته الثانية لابنه بعد العقيدة.
د. الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
بعد أن أمر لقمان الحكيم لابنه بإقامة الصلاة – كاملة بحدودها وأوقاتها – التى هى دليل الإيمان واليقين, ووسيلة القربى إلى الله وتحقيق رضوانه, أمره بالأمر بالمعروف, أى أمر النفس بما هو معروف شرعا وعقلا, كمكارم الأخلاق, ومحاسن الأفعال. وكذلك أمره بالنهى عن المنكر, أى منع النفس من المعاصى والمنكرات المحرمة شرعا وعقلا, التى تغضب الله, وتوجب عذاب جهنم.
[65]
و. الصبر والثبات على المصيبة
وبعد ذلك, علّمه لقمان الحكيم – بعد التعليم بلزوم الصلاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر – الصبرَ. لأن الصبر مهم جدا فى جميع الحالات. ولا يكون الصبر فى تحمل البلية فحسب. وإنما كذلك فى اللزوم على الأوامر الإلهية, مثل الصلاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك.
[66]
فلذلك, يكون الصبر على أقسام. صبر على ما هو كسب للعبد, وصبر على ما ليس بكسب له. فالصبر على المكتسب على قسمين: صبر على ما أمر الله تعالى به, وصبر على مانهى عنه. وأما الصبر على ما ليس بمكتسب للعبد, صبر على مقاساة ما يتصل به من حكم الله فيما يناله فيه مشقة.
[67]

ﻫ. الأخلاق
أما التوجيهات الأخلاقية ما قام به لقمان الحكيم تكون فى الآيتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة. وهى كما يلى على الترتيب:
1. عدم تصعير الخذ للناس
كان لقمان الحكيم يقول لابنه على أن لا يصعر خده للناس, أى لا يعرض بوجهه عن الناس إذا كلموه تكبرا واحتقارا. بل لا بد أن يكون متواضعا سهلا لينا منبسط الوجه وغير ذلك من كمالات الصفات.
[68]
2. عدم المشى بالمرح
والمراد فى عدم المشى بالمراح يعنى أن لا يسير فى الأرض مختالا بطرا متبخترا, جبارا عنيدا. لأن تلك المشية يبغضها الله ويكرهه.
[69]
3. الحث على الاقتصاد فى المشى
أما المراد بالاقتصاد فى المشى يعنى التوسط والعدل, ليس بالبطئ المتثبط الذى يظهر الضعف, ولا بالسرعة المفرط, الذى يثب وثوب الشيطان. قال رسول الله صلى الله عليو وسلم: سرعة المشى تذهب بهاء المؤمن.
[70]
4. الحث على الغض فى الصوت
والآخر من توجيهاته الأخلاقية تجاه ابنه, يعنى ألا يرفع الصوت فيما لا فائدة فيه, وأن يخفضه. لأن شدة الصوت تؤذى آلة السمع وتدل على الغرور والاعتداد بالنفس وعدو الاكتراث بالغير.
[71]
وفيه دلالة على ذم رفع الصوت من غير حاجة. لأنه مشبه بصوت الحمير, والحمير أنكر الأصوات التى لا بد أن أن يبتعدعنه الناس. وقد ورد فى السنة ما يدل على التنفير منه, قال: إذا سمعتم صياح الديكة, فاسألوالله من فضله, وإذا سمعتم نهيق الحمير, فتعوذوا بالله الشيطان, فإنها رأت شيطانا. (رواه الجماعة)
[72]
وإنْ من إتيان هذه التوجيهات الأخلاقية مختتمةً, ليس إلا لإتمام الدراسات الإلهية العقائدية والشرائعية. إذ أن الأخلاق التى تصدر من الشخص ُيمثّل مقدار ما فى صميم قلبه وعقله من الإيمان وغير ذلك. فعلّمه ووعظه ذلك اتماما, وليكون بعد ذلك على مكارم الأخلاق. وهذه اسمى المثل فى التربية الإسلامية.
[73]
الباب الخامس
الخاتمة
أ. الخلاصة
بعد أن أقام الباحث بالدراسة التحليلية عن هذا المبحث ما تحت العنوان: "مفهوم تربية الأطفال عند لقمان الحكيم", وصل آخيرا إلى المستنتجات النهائية, وهى كما يأتى:
1. أن النقط المهمة تجاه ابنه هى: غرس التوحيد الذى هو أول مبدئ الإسلام, وتربية الصلاة, والإلزام على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والصبر والثبات فى تحمل البلية وفتن الحياة, وتكوين الأخلاق الفاضلة.
2. ما ألقى به لقمان الحكيم من مواعظه تجاه ابنه يقع الموقع الأولوى فى التعاليم الإسلامية, حيث توجد فيها القيم المثالية فى التربية الروحية السليمة, إذ أنها تضمن الجوانب الشرائعية الكافية من العقائد الإسلامية والعبادات والأخلاق الفاضلة.
3. تعتبر مواعظ لقمان الحكيم من أحسن التربية الإلهية التى تصلح تطبيقها لأجيال هذا العصر.
ب. الاقتراحات والنصائح
وأما الاقتراحات والنصائح التى تأثّر بها الباحث, والتى يريد أن يقدمها إلى جميع من لديه لوازم التعليم والتربية – من خلال هذا البحث المُهمّ – فهى:
1. التربية الروحية من أهمية بالغة فى تحديد عقائد الأطفال المسلمة. فلذلك, لابد أن يكون الاهتمام والتركيز عليها منذ الطفولة المبكرة, لتترسخ فى صميم قلوبهم. ولما كان الآباء يقوم بها إباّن صباهم, فقد غرس فى روحهم القاعدة الأساسية فى التربية.
2. المواعظ وسيلة من الوسائل التربية الناجعة المثمرة فعلى الآباء أن يقوم بذلك.
وكان الباحث على يقين, بأن هذا البحث لم يكن كاملا, فربما سوف يأتى من يُكمّل ذلك بما هو أحسن من طلاب الجامعة الآخرين.
فهاهى الرسالة البسيطة التى لا تخلو من الخطأ والنقصان, إذ الكمال لله وحده. فقال الشاعر:
وإن تجد عيبـا فسد الخللا * فجـلّ من لا عيب فيه وعلـى
واختتاما لهذه الرسالة العلمية, أُقدَم هنا بديع كلام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى :
" فيا أيها الناظر فيه, لك غنمه, وعلى مؤلفه غرمه, ولك صفوه, وعليه كدره, وهذه بضاعته المزجاة تعرض عليك, وبنات أفكاره تُزفّ إليك, فإن صادفت كفئا كريما, لم تعدم منه إمساكا بمعروف, أوتسريحا باحسان, وإن كان غيره, فالله المستعان, وعليه التكلان, وقد رضى من مهرها بدعوة خالصة إن وافقت قبولا وإحسانا, وبرد جميل إن كان حظها احتقارا, واستهجانا, والمنصف يهب خطأ المخطئ لإصابته, وسيئاته لحسناته؛ فهذه سنة الله فى عباده جزاء وثوابا, ومن ذالذى يكون قوله كله سديدا وعمله كله صوابا؟ وهل ذلك إلا المعصوم الذى لا ينطق عن الهوى, ونطقه وحى يوحى؟"
[74]
مراجع البحث
الأبراشى, محمد عطية. التربية الإسلامية وفلاسفها. مصر: عيسى البانى الحلبى ,1975
بروى, عبد العظيم. علم الدين. دون اسم المدينة والمطبعة, 2002
الزحيلى, وهبة. التفسير المنير فى العقيدة والشريعة والمنهاج. بيروت: دارا لفكر المعاصر, 1998
زين العابدين, سهيلة. بناء الأسرة المسلمة. جدة: الدار السعودية. دون السنة
زينو, جميل, محمد. رسالات التوجيهات الإسلامية. دون اسم المدينة والمطبعة والسنة. المجلد الثانى.
سابق, سيد. فقه السنة. مدينة: دار الحديث, 2004
السديسى, عبد العزيز, عبد الرحمن. كوكبة الخطب المنيفة من منبر الكعبة المشرفة. مكة المكرمة: مكتبة إمام الدعوة العلمية, 2002
شحاتة, حسن. تعليم الدين الإسلامى بين النظرية والتطبيق. قاهرة: دار العربية للكتاب, 1993
الطباطبائى, محمد حسين, العلامة السيد. الميزان فى تفسير القرآن. بيروت: مؤسسة الأعلمى للمطبوعات, 1991.المجلد السادس عشر
القشيرى, بن هوزان أبى القاسم, عبد الكريم. الرسالة القشيرية فى علم التصوف. دمشق: مكتبة الأسد, دون السنة
قطب, محمد. منهج التربية الإسلامية. بيروت: دار الشروق,1993.
معلوف, لويس. المنجد فى اللغة والأعلام. بيروت: دار المشرق,
ناصح علوان, عبد الله. تربية الأولاد فى الإسلام. غورية: دار السلام, 1996
الهاشمى, عابد التوفيق. طرق تدريس التربية الإسلامية. بيروت: مؤسسة الرسالة, 1993
يونوس, محمود. التربية والتعليم. دار السلام: دون السنة واسم المدينة
محمد فؤاد عبد الباقى, اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان البخارى والمسلم. دار الحديث: قاهرة, 2003


Al-Syaebany, Muhammad Al-Toumy, Omar, Falsafah Pendidikan Islam. Jakarta: Bulan Bintang, 1979

Azizy, Qodri, A. Pendidikan Untuk Membangun Etika Sosial. Jakarta: AnekaIlmu, 2002

Syihab, M. Quresh. Tafsir Al-Misbah: Pesan, Kesan, dan Keserasian al-Qur’an. Jakarta: Lentera Hati, 2002

Tafsir, Ahmad, Metodologi Pengajaran Agama Islam: Rosda Karya, 2002







[1] محمود يونس ومحمد قاسح بكر, التربية والتعليم (دون اسم المدينة: دار السلام, دون السنة), ص. 3
[2] . نفس المرجع. ص. 3
[3]. نفس المرجع. ص. 14
[4] . حسن شحاتة, تعليم الدين الإسلامى بين النظرية والتطبيق (قاهرة: دار العربية للكتاب), 1993. ص. 12
[5] . نفس المرجع. ص. 24
[6] . سليمان زين العابدين, بناء الأسرة المسلمة جدة: دار السعودية, دون السنة. ص. 172
[7] وهبة زحيلى, التفسير المنير فى العقيدة ولاشريعة والمنهج (بيروت: دارا لفكر المعاصر, 1998), ص. 143 .
[8] 125.ص Qures Syihab. Tafsir Al-Misba (Jakarta: Lentera Hati, 2002)
. 125[9] ص . نفس المرجع. Qures Syihab
[10] وهبة زحيلى. المرجع السابق. ص. 143
[11] محمد حسين الطباطبائى. الميزان فى تفسير القرآن )بيروت: مؤسسة الأعلمى للمطبوعات, 1991.المجلد السادس عشر(, ص. 227
[12] نفس المرجع. ص. 226.
[13] وهبة زحيلى. المرجع السابق. ص. 143
[14] وهبة زحيلى. المرجع السابق. ص. 145
[15] محمد حسين الطباطبائى. المرجع السابق. ص. 228
[16]محمد حسين الطباطبائى. المرجع السابق. ص. 226
[17]محمد حسين الطباطبائى. المرجع السابق. ص. 227

[18] وهبة زحيلى. المرجع السابق. ص. 143
[19] محمد حسين الطباطبائى. المرجع السابق. ص. 229
[20] محمد حسين الطباطبائى. المرجع السابق. ص. 230
[21]. لويس معلوف, المنجد فى اللغة والأعلام (بيروت: دار المشرق, 2000 ), ص. 247
[22]محمود يونس, ومحمد قاسم بكر. المرجع السابق. الجزء الأول. ص. 7
[23] . 5ص.Ahmad Tafsir .Metodologi Pengajaran Agama Islam. Bandung: Rosda Karya, 2002.
[24] محمود يونس, ومحمد قاسم بكر. المرجع السابق. الجزء الأول. ص. 8- 10
[25] محمود يونس ومحمد قاسم بكر. المرجع السابق. ص. 3 - 4
[26] محمود يونس ومحمد قاسم بكر. المرجع السابق. ص. 13
[27] محمود يونس ومحمد قاسم بكر. المرجع السابق. ص. 14
[28] محمود يونس ومحمد قاسم بكر. المرجع السابق. ص. 14
[29] محمد قطب. المرجع السابق. ص. 11
[30] محمود يونس ومحمد قاسم بكر. المرجع السابق. ص. 15
[31] محمود يونس ومحمد قاسم بكر. المرجع السابق. ص. 17
[32] A. Qodry Azizy. Pendidikan Untuk Membangun Etika sosial. (Jakarta: Aneka Ilmu, 2003) H. 18
َ. [33] 19. ص. نفس المرجع .Qodry Azizy
[34] محمد قطب. منهج التربية الإسلامية (قاهرة: دار الشروق, 1993), ص. 18
[35] نفس المرجع. ص. 34
[36] نفس المرجع. ص. 34
[37] نفس المرجع. ص. 38
[38] نفس المرجع. ص. 74
[39] نفس المرجع. ص. 42
[40] و الدليل على ذلك توجد كثيرا فى بعض السور. مثل فى سورة الزخرف (23) وفى سورة البقرة (170) وفى سورة النجم (23) وغير ذلك.
[41] محمد قطب. المرجع السابق. ص. 77
[42] محمد يونس ومجمد قاسم بكر. المرجع السابق. الجزء الأول أ. ص. 28. وكذلك, تبعثر الأيات الدالة على ذلك. مثل ما يوجد فى سورة الأنعام ( 73) وفى سورة إبراهيم (19) وفى سورة الحجر (85) وغير ذلك.
[43] محمد قطب. المرجع السابق. ص. 105
[44] محمود يونس ومحمد قاسم بكر. المرجع السابق. 30
[45] محمد قطب. المرجع السابق. ص. 12
[46] عبد الله ناسح علوان. تربيةالأولاد فى الإسلام (غوروية: دارالسلام, 1996. الجزء الثانى), ص. 476
[47] نفس المرجع . ص. 476
[48] نفس المرجع . ص. 476 - 477
[49] محمد قطب. المرجع السابقة. ص. 180
[50] سورة الأحزاب (21)
[51] سورة الأحزاب (45 - 46)
[52] عبد الله ناسح علوان. المرجع السابق. ص. 498
[53] عبد الله ناسح علوان. المرجع السابق. ص. 511
[54] محمد قطب. المرجع السابق. ص. 187
[55] الشرك هو أن يصرف الإنسان أى عبادة من العبادات لغير الله كائنا من كان ملكا مقرّبا أو نبيا مرسلا, أو وليا صالحا, أو عالما عابدا أو زعيما, أوحجرا أشجرا أودرهما أو دينارا أو هوى متبعا. محمد جميل زينو. رسالات التوجيهات الإسلامية (دون اسم المدينة والم طبعة والسنة. المجلد الثانى), ص. 152
[56] التوحيد ثلاثة أقسام: توحيد الألوهية, وتوحيد الربوبية وتوحيد الاسماء والصفات. عبد العظيم بن بريوى. علم الدين من حديث جبريل (مصر. دون اسم المطبعة, 2002), ص. 13
[57] أحمد شحاتة. المرجع السابق. ص. 21
[58] محمد حسين الطباطبائى. المرجع السابق. ص. 221 - 222
[59] محمد حسين الطباطبائى. المرجع السابق. ص. 220 - 221
[60] الصلاة عبادة تتضمن أقوالا وأفعالا مخصوصة, مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم. سيد سابق. فقه السنة. (مدينة: دار الحديث, 2004), ص. 65
[61] نفس المرجع. ص. 65
[62] نفس المرجع. ص. 65
[63] عبد العظيم بن بروى. المرجع السابق. ص. 22
[64] عبد الرحمن عبد العزيز السديس. كوكبة الخطب المنيفة من منبر الكعبة المشرفة (مكة المكرمة: مكتبة إمام الدعوة العلمية, 2002), ص. 186
[65] وهبة زحيلى. المرجع السابق. ص.149 - 150
[66] وهبة زحيلى. المرجع السابق. ص. 150
[67] أبى القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيرى. الرسالة القشيرية فى علم التصوف(دمشق: مكتبة الأسد, دون السنة), ص. 294
[68] وهبة زحيلى . المرجع السابق. ص. 150
[69] وهبة زحيلى. المرجع السابق. ص. 150
[70] وهبة زحيلى. المرجع السابق. ص. 151
[71] وهبة زحيلى. المرجع السابق. ص. 151
[72] وهبة زحيلى. المرجع السابق. ص. 152
[73] محمد عطية الأبراشى. التربية الإسلامية وفلا سفها (مصر: عيسى ألبانى الحلبى, 1975), ص. 110
[74] عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس. المرجع السابق. ص.32

Tidak ada komentar: